بداية دعني أكن معك صريحاً كل الصراحة: لا أحد مدين ولا ملزم بتأمين وظيفة لك. ويزداد الطين بلة حين نرى معظم طالبي العمل يواجهون بعاصفة من العراقيل التي لم تكن موجودة من قبل. من هذه العراقيل المنافسة الهائلة على موقع وحيد، ووسائط التواصل الاجتماعية، وأنظمة تعقّب المتقدمين، والانقراض التام لتوصيفات وظيفية وصناعات، والطوفان المغرق الذي ينهك أقسام الاستقطاب والموارد البشرية. ينبغي أن تكون جاهزاً للتقدم إلى اللعبة بأفضل ما لديك من بطاقات. تلك البطاقة التي تفرّقك وتميّزك تماماً عن الحشد المحيط بك.
اعتبر هذه السطور نداء إيقاظ، أو فلتعتبرها فرصة. فالإحصائيات تبين أن نسبة ضئيلة منكم أعزائي القرّاء سيقومون بأي تصرف عملي. ومما يثير الاهتمام والتفكر أنها هي ذاتها تقريباً نسبة الناس الناجحين المعتمدين على أنفسهم في كل أنحاء العالم.
إنه اختيارك في عالم جديد بقواعد جديدة، لتكون مستعداً للقيام بأشياء جديدة.
تبين الأسباب الستة في هذه المقالة فرصاً لن يعمل على اغتنامها كثير من الناس. وهذه أخبار جيدة لبعضكم أعزائي القراء، لأن الفرق بين الناجحين وغير الناجحين هو أن الناجحين ينهضون للقيام بما لا ينهض إليه غير الناجحين.
1. أنت تصب في الآذان وقائع عابرة بدل أن تبث في النفوس قصصاً مؤثرة
في مجال البيع والتسويق هناك مقولة ذهبية مفادها: “القصص تبيع والوقائع تخبر Stories sell and facts tell“. يمكن للناس أن يتصلوا ويتمثلوا شخصياً مع القصص. وكلما عرفت أكثر عن الشركة وعن الشخص الذي تقابله كلما ازدادت مقدرتك على جعل ذلك الشخص يتمثل ما تقول ويشعر بالانتماء إليه. تولّد القصصُ المشاعرَ وتربط الناس، وأن تكون مرتبطاً هو عنصر التمييز الذي تحتاج.
مثلاً انظر في كتاب “حساء دجاج للروح Chicken Soup for the Soul“. إنه ليس إلا تجميعاً لقصص قصيرة من الواقع، وصاحب رقم المبيعات الأكبر الذي لم يحطم. ماذا ستجد في الكتاب لو أن مؤلفه استبدل سرد تلك القصة المحركة للقلوب عن ذلك الشخص الكسيح الذي تعلم المشي وكافح وحيداً العقبة بعد العقبة حتى فاز بسباق الزلاجات التي تجرها الكلاب في القطب الجنوبي، وذكر لك عوضاً عنها مجموعة من الوقائع مثل: ركب الرجل المزلجة عبر الثلوج؟
من أنفع الأشياء التي يمكنك القيام بها أن تتصل وتلتقي بعاملين وبأصحاب عمل سابقين وتتبادل الأحاديث معهم وحسب. اكتب القصص الرائعة التي حفرت في ذاكرات أصحابها، وكذلك قصص النجاح والتحديات التي تبرزك عن الآخرين. إنك تحتاج إلى أناس آخرين حتى تنتعش وتتحرك ذاكرتك.
إن استطعت أن تسبغ شخصية ومشاعر على قصتك فستحقق على الفور تقارباً وألفة مع أي شخص يتحدث معك، وبعنصر التمييز الفوري هذا أنت الرابح.
2. من لا يقدم الحلول أدبرت عنه القلوب والعقول
فلنكن واقعيين، صاحب العمل إنما يريد توظيف أحد لديه ليحل مشكلة معينة. إما أن صاحب العمل هذا يفتقر إلى القدرة الكافية من مورد أو فعالية ما، أو إنه يريد تغيير أو إصلاح شيء ما، لو كان لديه كل الحلول فلن يكون بحاجة إليك. وإذا بعد أن تستكشف وتحلل الشركة بعمق، فتدرس ثقافتها، ومنافسيها، وصناعتها. والناس الذين سيجرون المقابلة معك، ينبغي أن تعرف ما الحلول التي تحتاجها هذه الشركة وأن تكون قادراً على توصيلها. إن لم تفعل ذلك فسيفعله أحد غيرك.
من الأدوات المفيدة لك فائدة عظيمة إجراء “تحليل سوت S.W.O.T analysis” على القسم أو الشركة أو الصناعة التي تهتم بالعمل فيها. بكل بساطة يمكنك الحصول على قالب لإجراء هذا التحليل من مواقع كثيرة على الإنترنت.
وبعد أن تنجز هذا صدقني يا عزيزي إن أي صاحب عمل سيعجب بك أيما إعجاب ليس بسبب بحثك وحسب بل بسبب مثابرتك واجتهادك.
3. أنت كسول.. تنتظر الحصيلة الأفضل بالطريقة الأسهل
أي شيء يستحق القيام به؛ يستحق القيام به بإتقان. ويقال في الحكمة المشهورة: لو كان لدي ثماني ساعات لأقطع شجرة فسأقضي أول ست منها في إعداد فأسي وشحذها. ولسوء الحظ معظم الناس لا يريد أن يبذل سلفاً الوقت والجهد ليقوموا بما ينبغي القيام به حتى يحصلوا على مقابلة وعلى وظيفة.
الحقائق واضحة: الغالبية العظمى من الوظائف إنما يحصل عليها من خلال ممارسات تشبيك مبادرة نشطة. ولا يحصل عليها بإلصاق سيرتك الذاتية في موقع على الإنترنت، ولا بتقديم الطلبات لوظيفة بعد وظيفة. وبالرغم من ذلك فإن معظم الناس ليسوا مقبلين على القيام بما ينبغي لتأسيس واستدامة (نعم، فأنت لا تقيم علاقة ثم يحدث المفعول السحري فوراً) شبكات العلاقات الصحيحة.
عندما أقترح على بعض الناس الاتصال بالشركات وبناء علاقات معرفة وألفة مع بعض المساعدين والموظفين فيها حتى يستدلوا على مرجعيات كانوا ينظرون إلي بدهشة وكأنني مجنون. إلا أن هذه الخطوة المبادرة الإضافية يمكن أن تصنع الفرق بين امتلاك أو عدم امتلاك شبكة علاقات المعارف، ومرجعيات التوظيف، والتغذية الراجعة والرأي والنصح بشأن مقابلة التوظيف، وكثير غيرها.
4. أنت فاتر مضجر
تبين استطلاعات مستقطبي العمالة ومديري الموارد البشرية أن الخاصية رقم واحد التي يجدون المتقدمين مفتقرين إليها هي: الحيوية العالية والطاقة المتدفقة. خلاصة الأمر هي أن الناس يريدون أن يكون حولهم أناس حركيون ناهضون مشرقون، وعلى أقل تقدير نشطون. التصور هو أن ذوي الحيوية العالية يتمتعون بالكفاءة والمقدرة فيشعون بالثقة إشعاعاً، وأما الباهتون الفاترون فهم كسالى، دافعيتهم ميتة، وحضورهم بين الناس غير مفيد ولا محبّب.
بغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذا التصور فعلاً، من الخير لك أن تتأكد وتطمئن إلى حصيلتك في عيون الناس وأذهانهم وفقه. وأنا لا أقصر كلامي هنا على المقابلة الحية المباشرة حيث ينبغي أن تكون مصافحتك قوية مطمئنة، وصوتك ثابتاً واثقاً. فخلال المقابلة على الهاتف تغدو حيويتك أكثر أهمية لأن تعابير وجهك المشرقة تخفيها السماعة. الطريقة الوحيدة لتجسيد الثقة والحيوية عبر الهاتف هي امتلاك التلون الصوتي والنبرة وارتفاع الصوت الملائمة. ومع استخدام سماعة البلوتوث الرأسية أو غيرها من السماعات الرأسية يغدو رفع الصوت أكثر ضرورة. إن لم تكن متحمساً لما تقول (وهذه هي الرسالة التي يؤديها الصوت الضعيف) فعلام يتحمس ويهتم بك أي أحد آخر؟
إني أنصحك: استمع إلى رأي أمين مهتم حول صوتك وطريقة حديثك على الهاتف. ولقد حدث معي بالفعل أن عرضت علي وظيفة بسبب رسالة تركتها على مسجلة الرد الآلي. لم يكن السبب محتوى الرسالة بقدر ما كان الطاقة والحيوية والاندفاع التي كانت تبثها إلى المستمع.
5. أنت لا تزن كل كلمة.. تحاول تستير مشكلة صغيرة بورطة كبيرة
هل حدث أن كنت تتكلم مع أحدهم وجعلك الإنصات لحديثهم تهز رأسك متعجباً من الثغرة المنطقية أو التضارب والاختلاف التي التقطتها في أقواله؟ كيف تعرف أن أحداً ما لن يفعل هذا عندما تتحدث؟
هذه أفضل طريقة لمعرفة ذلك: هل لديك ما تريد إبقاءه مطوياً لا يدري به أحد، أو تعمدت إخفاء شيء، أو تكلمت بأنصاف الحقائق، أو كانت سيرتك الذاتية لا تطابق ما كتبت أو قلت في طلب التوظيف؟ إن كان أي من أمثال ما سبق واقعاً لديك فسيهز بعض الناس رؤوسهم وتتصدع آمالك في اكتساب ثقتهم والعمل معهم. إن أكبر ما نقترف من أكاذيب هي تلك التي نقولها لأنفسنا، وإن لم تصدق فتأمل في وجه طفلك وهو يقسم لك ببراءة إنه لم يقترب من الحلوى والدموع تسيل على وجهه المغطى بالكريما. لا وظيفة لك، هذا مؤكد مئة بالمئة.
التزم بالصدق ولتكن تصرفاتك متسقة لا تكلف ولا تقلب فيها. ليس هناك أي إنسان كامل، والإنسان الوحيد الخالي من النواقص والعثرات هو الميت. ما يميز بعض الناس عن بعض هو كيفية تعاملهم مع هذه النقائص والمشكلات. إذا، واجه مشكلات ماضيك وحولها إلى فرص.
أصحاب الأعمال يبحثون عن صناع حلول فكن واحداً من هؤلاء الصناع
6. تتكلم لغة واحدة وحسب
لا أقصد هنا الفارسية ولا الإسبانية. بل أقصد الطرق التي يتواصل به الناس ويتعلمون. يتواصل الناس ويتبادلون المعلومات عبر واحدة أو أكثر من ثلاث طرق: السمعية، والبصرية، والحركية. باختصار هذا ما أقصد:
المتعلمون السمعيون يمكنهم استيعاب المعلومات بمجرد الإصغاء إلى كلامك. وأما المتعلمون البصريون فيفضلون أسلوباً آخر يقوم على أشياء مثل الصور أو القصص كي تتكون لديهم الصورة ويلتقطون الفكرة. وأما المتعلمون الحركيون فيحتاجون إلى مشاركة فاعلية نشطة في الأمر قبل أن تعبر المعلومات جماجمهم السميكة (أنا من هؤلاء!) ومديرو المقابلات الحركيون هؤلاء سيحصلون على أكبر فائدة لو اتبعت معهم الأسلوب السقراطي الذي يجعلهم يتوصلون بأنفسهم إلى استنتاج وتفهّم من أنت ولماذا أنت الشخص المناسب للوظيفة. بالمناسبة، معظم الناس بصريون. وباعتباري من الأقلية الحركيين فإنني ألفت نظرك إلى أنني سميك جداً إزاء الكلام. قد تستمر في الحديث دون انقطاع حتى يزرق وجهك ولا أصل إلى ما تريد. نعم إنني أسمع وأعرف ماذا تقول لكن ماذا يعني هذا وإلى أين يوصل؟
فلنقل إن هناك توزعاً منتظماً لأنماط التعلم والتواصل، أي هناك 33,3% من الناس يفضلون كل واحد من الأنماط الثلاثة. وأنت تفضل التواصل بواحد منها. أنت بصري ومنفذ المقابلة سمعي. تعرض له صوراً ومخططات لكنك بهذا لا تشرح له فعلاً لماذا أنت أفضل المرشحين (والقصص هنا شبيهة بالصور) هل تساءلت عن السبب في عدم حصولك على الاستجابة التي تتطلع إليها بالرغم من امتلاكك وتوجيهك رسالة حيوية متحمسة؟ إن هذا الاختلاف في النمط هو السبب رقم واحد. وهل تساءلت لماذا عرضت غوغل ملايين الدولارات لشراء يوتيوب؟ لأن وسائل الفيديو تروق وتصل للجماهير بطريقة لا تستطيع النصوص وصولها.
الحل إذا هو أن تتكيّف وتحاول في كل مرة استخدام نمط التواصل المفضل لدى مدير المقابلة، وكيف تفعل ذلك؟
سيكون رائعاً لو أمكنك اكتشاف النمط باختبار معين، لكن الحقيقة هي أنك لا تستطيع أن تعرف. وإذا لا يبقى أمامك إلا أن تستخدم في تواصلك دوماً الأنماط الثلاثة جميعاً. وإن أفلحت في ذلك فما أروع ما تنجزه! ستقوم بما لا يعرف 99% من المتقدمين للوظائف كيف يقومون به بل هم كذلك يتكاسلون ويعرضون عن القيام به.
الكاتب: كولن ديمود